محمد المنتصر : باحث في اقتصاديات التنمية
وفاة مغربيتين بسبب تدافع “التهريب المعيشي” بمعبر سبتة، مصرع قاصر حاول الاختباء بحافلة للسياح من أجل “الحريك”، مقتل 15 امرأة في تدافع على “مساعدات غذائية” بالصويرة.. وأحداث أخرى أكثر مأساوية شهدها المغرب في الفترة الأخيرة كواقعة محسن فكري ومي فتيحة، ولاشك أننا مقبلون على تكرار سيناريوهات مماثلة مادام استئصال الداء لم يتم بعد.
فالأحداث التي نعيشها اليوم ليست مستقلة عن بعضها البعض، بل يجب مقاربتها شموليا لارتباطها الوثيق بواقع التنمية البشرية بالمغرب، الذي ما فتئت التقارير الدولية والوطنية تسجل اختلالاته وعدم فعاليته مقارنة مع الأغلفة المالية المرصودة له، وآخر من وضع الأصبع على الجرح هو خطاب العرش الذي انتقد فيه الملك الواقع الاجتماعي في البلاد، مؤكدا على كون برامج التنمية البشرية والترابية ذات التأثير المباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين لا تشرف وتبقى دون الطموح.
فعلا، فمتابعة تطور تركيبة المجتمع المغربي تحيلنا على مفارقات صارخة بين طبقاته، وذلك مثبت ليس بالوقائع فقط بل بالأرقام والمؤشرات كذلك، فمعامل جيني مثلا الذي يعتبر مقياس للفوارق الاجتماعية بين الأفراد يعكس مستويات عالية للتفاوت في الدخل بين المغاربة، ومعدلات الفقر بين الجهات تشير أيضا إلى فجوات مجالية واسعة لاسيما بين المناطق الحضرية والقروية، ومرتبة المغرب المتأخرة في تصنيف مؤشر التنمية البشرية كذلك ترسخ حالته الشاذة اجتماعيا بالمقارنة مع مستوى نموه.
وأمام هاته الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية التي تكرست إلى حد يصعب احتوائه، تظل النتائج من حيث تقليصها دون انتظارات الساكنة التي تزداد وعيا بوجود مغرب بسرعات مختلفة، ولمن الخطير أن تدوم الوضعية على حالها، فاتساع هوة التفاوتات يهدد التماسك الاجتماعي بشكل يدعو للقلق، والتجارب الدولية أثبتت أن لذلك انعكاس سلبي على الاستقرار السياسي ومناخ الأعمال، الذي يعتبر مكونا رئيسا للرأسمال الغير مادي ببلادنا مشكلا لوحده 72 في المائة من الثروة بالمغرب، أي ما يعادل عشر مرات ناتجنا الداخلي الخام.
فمن أجل تجنب احتقان اجتماعي نحن في غنى عنه، لا خيار أمام الحكومة والمجالس المنتخبة غير السعي نحو تحقيق المزيد من التكامل والإدماج الاقتصاديين بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، مع ضرورة إرساء مقاربة ترابية ناجعة لاستراتيجيات الإدماج الاجتماعي، واضعين بذلك أولى لبنات التوجه الصحيح للتنمية البشرية، ونكون في نفس الوقت قد أجرينا أولى التغييرات على النموذج الاقتصادي الحالي، مما سيقينا توليد المزيد من الإقصاء والتفقير في حق شعب لم يذق بعد ثمرات الثروة التي أنتجها المغرب منذ العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين.